سورة غافر - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17)}
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ} أي دلائل توحيده وقدرته {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً} جمع بين إظهار الآيات وإنزال الرزق، لأن بالآيات قوام الأبدان، وبالرزق قوام الأبدان. وهذه الآيات هي السموات والأرضون وما فيهما وما بينهما من الشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب والبخار والأنهار والعيون والجبال والأشجار وآثار قوم هلكوا. {وَما يَتَذَكَّرُ} أي ما يتعظ بهذه الآيات فيوحد الله {إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} أي يرجع إلى طاعة الله. {فَادْعُوا اللَّهَ} أي اعبدوه {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي العبادة.
وقيل: الطاعة. {وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} عبادة الله فلا تعبدوا أنتم غيره. قوله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ} {ذو العرش} على إضمار مبتدأ. قال الأخفش: ويجوز نصبه على المدح. ومعنى {رَفِيعُ الدَّرَجاتِ} أي رفيع الصفات.
وقال ابن عباس والكلبي وسعيد بن جبير: رفيع السموات السبع.
وقال يحيى بن سلام: هو رفعة درجة أوليائه في الجنة ف {رَفِيعُ} على هذا بمعنى رافع فعيل بمعنى فاعل. وهو على القول الأول من صفات الذات، ومعناه الذي لا أرفع قدرا منه، وهو المستحق لدرجات المدح والثناء، وهي أصنافها وأبوابها لا مستحق لها غيره قال الحليمي. وقد ذكرناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى والحمد لله. {ذُو الْعَرْشِ} أي خالقه ومالكه لا أنه محتاج إليه.
وقيل: هو من قولهم: ثل عرش فلان أي زال ملكه وعزه، فهو سبحانه: {ذُو الْعَرْشِ} بمعنى ثبوت ملكه وسلطانه وقد بيناه في الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى. {يُلْقِي الرُّوحَ} أي الوحي والنبوة {عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ} وسمي ذلك روحا لأن الناس يحيون به، أي يحيون من موت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح.
وقال ابن زيد: الروح القرآن، قال الله قوله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ} {ذو العرش} على إضمار مبتدا. قال الأخفش: ويجوز نصبه على المدح. ومعنى {رَفِيعُ الدَّرَجاتِ} أي رفيع الصفات.
وقال ابن عباس والكلبي وسعيد بك جبير: رفيع السموات السبع.
وقال يحيى بن سلام: هو رفعة درجة أوليائه في الجنة ف {رَفِيعُ} على هذا بمعنى رافع فعيل بمعنى فاعل. وهو على القول الأول من صفات الذات، ومعناه الذي لا أرفع قدرا منه، وهو المستحق لدرجات المدح والثناء وهى أصنافها وأبوابها لا مستحق لها غيره قاله الحليمي. وقد ذكرناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى والحمد لله. {ذُو الْعَرْشِ} أي خالقه ومالكه لا أنه محتاج إليه.
وقيل: هو من قولهم ثل عرش فلان أي زال ملكه وعزه فهو سبحانه: {ذُو الْعَرْشِ} بمعنى ثبوت ملكه وسلطانه وقد بيناه في الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى {يُلْقِي الرُّوحَ} أي الوحى والنبوة {عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ} وسمي ذلك روحا لان الناس يحيون بها، أي يحيون من موت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح.
وقال ابن زيد: الروح القرآن، قال الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا} وقيل: الروح جبرئيل، قال الله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ} وقال: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}. {مِنْ أَمْرِهِ} أي من قوله.
وقيل: من قضائه.
وقيل: {مِنْ} بمعنى الباء أي بأمره. {على من يشاء من عباده} وهم الأنبياء يشاء هو أن يكونوا أنبياء وليس لأحد فيهم مشيئة.
{لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} أي إنما يبعث الرسول لإنذار يوم البعث. فقوله: {لِيُنْذِرَ} يرجع إلى الرسول.
وقيل: لينذر الله ببعثه الرسل إلى الخلائق {يَوْمَ التَّلاقِ}. وقرأ ابن عباس والحسن وابن السميقع {لتنذر} بالتاء خطابا للنبي عليه السلام. {يَوْمَ التَّلاقِ} قال ابن عباس وقتادة: يوم تلتقي أهل السماء واهل الأرض.
وقال قتادة أيضا وأبو العالية ومقاتل: يلتقي فيه الخلق والخالق.
وقيل: العابدون والمعبودون.
وقيل: الظالم والمظلوم.
وقيل: يلقى كل إنسان جزاء عمله.
وقيل: يلتقي الأولون والآخرون على صعيد واحد، روي معناه عن ابن عباس. وكله صحيح المعنى. {يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ} يكون بدلا من يوم الأول.
وقيل: {هُمْ} في موضع رفع بالابتداء و{بارِزُونَ} خبره والجملة في موضع خفض بالإضافة، فلذلك حذف التنوين من {يوم} وإنما يكون هذا عند سيبويه إذا كان الظرف بمعنى إذ، تقول لقيتك يوم زيد أمير. فإن كان بمعنى إذا لم يجز نحو أنا ألقاك يوم زيد أمير. ومعنى: {بارِزُونَ} خارجون من قبورهم لا يسترهم شي، لأن الأرض يومئذ قاع صفصف لا عوج فيها ولا أمتا على ما تقدم في طه بيانه. {لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} قيل إن هذا هو العامل في {يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ} أي لا يخفى عليه شيء منهم ومن أعمالهم {يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ}. {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} وذلك عند فناء الخلق.
وقال الحسن: هو السائل تعالى وهو المجيب، لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه فيجيب نفسه سبحانه فيقول: {لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ}. النحاس: وأصح ما قيل فيه ما رواه أبو وائل عن ابن مسعود قال: يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله جل وعز عليها، فيؤمر مناد ينادي {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم {لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ} فيقول المؤمنون هذا الجواب سرورا وتلذذا، ويقوله الكافرون غما وانقيادا وخضوعا. فأما أن يكون هذا والخلق غير موجودين فبعيد، لأنه لا فائدة فيه، والقول صحيح عن ابن مسعود وليس هو مما يؤخذ بالقياس ولا بالتأويل.
قلت: والقول الأول ظاهر جدا، لأن المقصود إظهار انفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعاوي المدعين وانتساب المنتسبين، إذ قد ذهب كل ملك وملكه ومتكبر وملكه وانقطعت نسبهم ودعاويهم، ودل على هذا قوله الحق عند قبض الأرض والأرواح وطي السماء: «أنا الملك أين ملوك الأرض» كما تقدم في حديث أبي هريرة وفي حديث ابن عمر، ثم يطوي الأرض بشماله والسموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون. وعنه قوله سبحانه: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} هو انقطاع زمن الدنيا وبعده يكون البعث والنشر. قال محمد بن كعب قوله سبحانه: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} يكون بين النفختين حين فني الخلق وبقي الخالق فلا يرى غير نفسه مالكا ولا مملوكا فيقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فلا يجيبه أحد، لأن الخلق أموات فيجيب نفسه فيقول: {لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ} لأنه بقي وحده وقهر خلقه.
وقيل: إنه ينادي مناد فيقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فيجيبه أهل الجنة: {لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ} فالله أعلم. ذكره الزمخشري. قوله تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ} أي يقال لهم إذا أقروا بالملك يومئذ لله وحده {الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ} من خير أو شر. {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} أي لا ينقص أحد شيئا مما عمله. {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ} أي لا يحتاج إلى تفكر وعقد يد كما يفعله الحساب، لأنه العالم الذي لا يعزب عن علمه شيء فلا يؤخر جزاء أحد للاشتغال بغيره، وكما يرزقهم في ساعة واحدة يحاسبهم كذلك في ساعة واحدة. وقد مضى هذا المعنى في البقرة.
وفي الخبر: ولا ينتصف النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة واهل النار في النار.


{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْ ءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (22)}
قوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ} أي يوم القيامة. سميت بذلك لأنها قريبة، إذ كل ما هو آت قريب. وأزف فلان أي قرب يأزف أزفا، قال النابغة:
أزف الترحل غير أن ركابنا ***- لما تزبر حالنا وكان قد
أي قرب. ونظير هذه الآية: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} [النجم: 57] أي قربت الساعة. وكان بعضهم يتمثل ويقول:
أزف الرحيل وليس لي من زاد غير ***- الذنوب لشقوتي ونكادي
{إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ} على الحال وهو محمول على المعنى. قال الزجاج: المعنى إذ قلوب الناس {لَدَى الْحَناجِرِ} في حال كظمهم. وأجاز الفراء أن يكون التقدير {وَأَنْذِرْهُمْ} كاظمين. وأجاز رفع {كاظمين} على أنه خبر للقلوب. وقال: المعنى إذ هم كاظمون.
وقال الكسائي: يجوز رفع {كاظمين} على الابتداء. وقد قيل: إن المراد ب {يَوْمَ الْآزِفَةِ} يوم حضور المنية، قاله قطرب. وكذا {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ} عند حضور المنية. والأول أظهر.
وقال قتادة: وقعت في الحناجر المخافة فهي لا تخرج ولا تعود في أمكنتها، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة كما قال: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ}.
وقيل: هذا إخبار عن نهاية الجزع، كما قال: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ} وأضيف اليوم إلى {الْآزِفَةِ} على تقدير يوم القيامة {الْآزِفَةِ} أو يوم المجادلة {الْآزِفَةِ}. وعند الكوفيين هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه مثل مسجد الجامع وصلاة الأولى. {ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ} أي من قريب ينفع {وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ} فيشفع فيهم. قوله تعالى: {يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ} قال المؤرج: فيه تقديم وتأخير أي يعلم الأعين الخائنة وقال ابن عباس: هو الرجل يكون جالسا مع القوم فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها. وعنه: هو الرجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره، فإذا رأى منهم غفلة تدسس بالنظر، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره، وقد علم الله عز وجل منه أنه يود لو نظر إلى عورتها.
وقال مجاهد هي مسارقة نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه.
وقال قتادة: هي الهمزة بعينه وإغماضه فيما لا يحب الله تعالى.
وقال الضحاك: هي قول الإنسان ما رأيت وقد رأى أو رأيت وما رأى.
وقال السدي: إنها الرمز بالعين.
وقال سفيان: هي النظرة بعد النظرة.
وقال الفراء: {خائِنَةَ الْأَعْيُنِ} النظرة الثانية {وَما تُخْفِي الصُّدُورُ} النظرة الأولى.
وقال ابن عباس: {وَما تُخْفِي الصُّدُورُ} أي هل يزني بها لو خلا بها أو لا.
وقيل: {وَما تُخْفِي الصُّدُورُ} تكنه وتضمره. ولما جئ بعبد الله بن أبي سرح إلى رسول الله لي الله عليه وسلم، بعد ما اطمأن أهل مكة وطلب له الأمان عثمان رضي الله عنه، صمت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طويلا ثم قال: {نعم} فلما انصرف قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن حوله: «ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه» فقال رجل من الأنصار فهلا أومأت إلي يا رسول الله، فقال: «إن النبي لا تكون له خائنة أعين». {والله يقضى بالحق} أي يجازي من غض بصره عن المحارم، ومن نظر إليها، ومن عزم على مواقعة الفواحش إذا قدر عليها. {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} يعني الأوثان {لا يَقْضُونَ بِشَيْ ءٍ} لأنها لا تعلم شيئا ولا تقدر عليه ولا تملك. وقراءة العامة بالياء على الخبر عن الظالمين وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم. وقرأ نافع وشيبة وهشام: {تدعون} بالتاء. {إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} {هو} زائدة فاصلة. ويجوز أن تكون في موضع رفع بالابتداء وما بعدها خبر والجملة خبر إن.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا} في موضع جزم عطف على {يَسِيرُوا} ويجوز أن يكون في موضع نصب على أنه جواب، والجزم والنصب في التثنية والجمع واحد. {كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ} اسم كان والخبر في {كَيْفَ}. و{واقٍ} في موضع خفض معطوف على اللفظ. ويجوز أن يكون في موضع رفع على الموضع فرفعه وخفضه واحد، لأن الياء تحذف وتبقى الكسرة دالة عليها وقد مضى الكلام في معنى هذه الآية في غير موضع فأغنى عن الإعادة.


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (25) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (26) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا} وهي التسع الآيات المذكورة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ} [الإسراء: 101] وقد مضى تعيينها. {وَسُلْطانٍ مُبِينٍ} أي بحجة واضحة بينة، وهو يذكر ومؤنث.
وقيل: أراد بالسلطان التوراة. {إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ} خصهم بالذكر لأن مدار التدبير في عداوة موسى كان عليهم، ففرعون الملك وهامان الوزير وقارون صاحب الأموال والكنوز فجمعه الله معهما، لأن عمله في الكفر والتكذيب كأعمالهما. {فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ} لما عجزوا عن معارضته حملوا المعجزات على السحر.
قوله تعالى: {فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا} وهي المعجزة الظاهرة {قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} قال قتادة: هذا قتل غير القتل الأول، لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان بعد ولادة موسى، فلما بعث الله موسى أعاد القتل على بني إسرائيل عقوبة لهم فيمتنع الإنسان من الإيمان، ولئلا يكثر جمعهم فيعتضدوا بالذكور من أولادهم. فشغلهم الله عن ذلك بما أنزل عليهم من أنواع العذاب. كالضفادع والقمل والدم والطوفان إلى أن خرجوا من مصر، فأغرقهم الله. وهذا معنى قوله تعالى: {وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} أي في خسران وهلاك، وان الناس لا يمتنعون من الايمان وإن فعل بهم مثل هذا فكيده يذهب باطلا. قوله تعالى: {وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} {أقتل} جزم، لأنه جواب الأمر {وَلْيَدْعُ} جزم، لأنه أمر و{ذَرُونِي} ليس بمجزوم وإن كان أمرا ولكن لفظه لفظ المجزوم وهو مبني.
وقيل: هذا يدل على أنه قيل لفرعون: إنا نخاف أن يدعو عليك فيجاب، فقال: {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} أي لا يهولنكم ما يذكر من ربه فإنه لا حقيقة له وأنا ربكم الأعلى. {إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} أي عبادتكم لي إلى عبادة ربه {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ} إن لم يبدل دينكم فإنه يظهر في الأرض الفساد. أي يقع بين الناس بسببه الخلاف. وقراءة المدنيين وأبي عبد الرحمن السلمي وابن عامر وأبي عمرو: {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ} وقراءة الكوفيين {أو أن يظهر} بفتح الياء {الفساد} بالرفع وكذلك هي في مصاحف الكوفيين: {أو} بألف وإليه يذهب أبو عبيد، قال: لأن فيه زيادة حرف وفيه فصل، ولأن {أو} تكون بمعنى الواو. النحاس: وهذا عند حذاق النحويين لا يجوز أن تكون بمعنى الواو، لأن في ذلك بطلان المعاني، ولو جاز أن تكون بمعنى الواو لما احتيج إلى هذا ها هنا، لأن معنى الواو {إِنِّي أَخافُ} الأمرين جميعا ومعنى {أو} لأحد الأمرين أي {إني أخاف أن يبدل دينكم} فإن أعوزه ذلك أظهر في الأرض الفساد. قوله تعالى: {وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} لما هدده فرعون بالقتل استعاذ موسى بالله {مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ} أي متعظم عن الإيمان بالله، وصفته أنه {لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7